3 دروس في إدارة ثروتك من إرث عثمان بن عفان رضي الله عنه
يعد عثمان بن عفان - رضي الله عنه - من أبرز صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن القلائل الذين عرفوا بالثراء الفاحش. دعونا نستكشف بعض جوانب علاقته بالمال.
حياة عثمان المبكرة وتجارته
ولد عثمان لأسرة ثرية وذات نفوذ من قبيلة قريش. توفي والده عفان عندما كان عثمان لا يزال شابًا يافعًا قبل نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم. وكان لعثمان أخت واحدة كاملة هي آمنة، وكانت حلاقة ماهرة في مكة، ولم يكن له إخوة أشقاء. وهذا يعني أنه عند وفاة عفان ورث عثمان ثروة كبيرة ورثها بعد وفاة عفان ومن المرجح أنه استثمرها في التجارة.
لم تذكر المصادر الطبيعة المحددة لمشاريعه التجارية. كانت مكة مركزًا للحج وبالتالي كانت تجتذب الناس، بمن فيهم التجار، ومعهم الأفكار من الجزيرة العربية وخارجها. وكانت المدينة أيضًا ذات موقع استراتيجي على طريق التجارة بين الشمال والجنوب الذي يمتد على طول البحر الأحمر، حيث تقع محطتاها في الشام (سوريا وفلسطين ولبنان والأردن اليوم) واليمن. وكان المكيون يسافرون بالقوافل، خاصة إلى الشام، حاملين بضائع مثل الجلود ("بلاستيك العصر") والجلود والعطور والزبدة المصفاة، وغيرها من المنتجات المطلوبة.
وعلى أي حال، فقد قام عثمان برحلة إلى الشام للتجارة، وهي رحلة ذهابًا وإيابًا من مكة المكرمة تستغرق نحو شهرين. كما سافر أيضًا إلى اليمن. ويمكننا أن نقدر الخدمات اللوجستية التي تنطوي عليها هذه الرحلة والمهارات المطلوبة للقيام بأعمال تجارية ناجحة بهذه الطريقة. كان لا بد من التخطيط بعناية لكل جانب من جوانب الرحلة، بدءًا من التواصل والحفاظ على تدفق المعلومات الموثوقة عن السوق إلى حماية البضائع من العوامل الجوية ولصوص الطرق. كان عثمان يتمتع بصفات وعلاقات ومهارات من شأنها أن تمنحه على الأرجح ميزة شخصية. فقد كان هادئًا جدًا ومتزنًا، وكان على صلة وثيقة بتجار بارزين جدًا مثل أبي سفيان، وكان مثقفًا ومتحدثًا فصيحًا ومناصرًا لاتخاذ القرارات المنطقية.
الدرس 1: العمل بالمبدأ
ابتعد عثمان عن الكثير من الملهيات الضارة. فقد كان اللهو والموسيقى وشرب الخمر والقمار والميسر والاختلاط الجنسي شائعًا بين شباب مكة قبل ظهور الإسلام، ولكنه لم ينغمس في أي منها. كما أنه لم ينغمس في عبادة الأوثان. ومن المرجح أن تجنبه لهذه الأمور ساعده على التركيز على تجارته وبالتالي لعب دورًا في جعله ثريًا في سن مبكرة. كما أنه كان محبوبًا ومحترمًا على نطاق واسع لحسن خلقه، مما جعله مقربًا من الفضلاء الآخرين في المجتمع المكي، ومنهم أبو بكر.
والأهم من ذلك كله أن تركيز عثمان على عمله وتجنبه الملاهي الضارة ربما أدى إلى تصفية ذهنه حتى يستطيع أن يتأمل الحياة بعمق أكبر، ويلتقط الإشارات التي تدل على أن العالم على أعتاب التغيير. وفي إحدى رحلات عودته من الشام، حيث كان قد ذهب للتجارة، سمع صوتًا في الليل ينادي: "أيها النائمون استيقظوا فقد ظهر أحمد بمكة". ولما عاد إلى مكة علم من أبي بكر أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قد جاء برسالة. فقبلها على الفور.
لماذا قبل عثمان بهذه السرعة؟ هل كان لثقته في محمد - صلى الله عليه وسلم - علاقة بتجربته مع الثروة؟ لقد عرف عثمان النبي صلى الله عليه وسلم طوال حياته، فقد كانا من أهله، فأم عثمان أروى كانت ابنة عم النبي صلى الله عليه وسلم. وربما سمع عثمان عن تعامل النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمانة النبي - صلى الله عليه وسلم - واجتهاده في التجارة في الشام نيابة عن خديجة. كما اشتهر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأمانة، لدرجة أن الناس كثيرًا ما كانوا يعطونه أموالهم لحفظها. لا سيما وأنه كان تاجرًا، ولا بد أن هذه الصفات التي اتصف بها النبي - صلى الله عليه وسلم - قد تركت انطباعًا عميقًا في نفس عثمان وأجبرته على اعتناق الإسلام.
الدرس 2: لتكن أعمالك في خدمة الآخرين
وبوصفه مسلمًا، فقد استخدم عثمان ثروته في خدمة الدين والمجتمع، ومن المرجح أنه ساهم بأكثر مما نجده في المصادر. فقد اشترى حرية الكثير من المسلمين المستعبدين، ومن المرجح أنه دعم الكثير من اللاجئين المسلمين الذين شقوا طريقهم إلى الحبشة. وقد ذهب هو نفسه إلى الحبشة مع زوجته رقية بنت الرسول (صلى الله عليه وسلم)، واستطاع أن يمارس أعماله التجارية إلى حد ما هناك أيضًا.
وقد اشتهر عثمان بعد الهجرة في المدينة بالعديد من أعمال الكرم الكبيرة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا بد أن هناك ما لا يحصى مما لا نعرفه. فقد اشترى بئرًا معروفة ببئر رومة التي كان صاحبها يحتكر إمدادات المياه المحلية ويتقاضى ثمنًا باهظًا للدلو الواحد. وقد وعد النبي (صلى الله عليه وسلم) من يشتري البئر ويجعلها متاحة للناس بأجر في الجنة. حاول عثمان أن يشتريها ولكن صاحبها أبى أن يبيع، فتفاوض عثمان ببراعة على اتفاق لشراء نصفها، أي بالتناوب بين عثمان أو المالك السابق على أن يكون له حق الاستئثار بها. ثم جعل عثمان الماء متاحًا مجانًا في الأيام التي تكون فيها البئر ملكًا له، وبدأ الجميع في استخدامه في تلك الأيام فقط، تجنبًا لدفع التكاليف الباهظة التي كان يتقاضاها المالك السابق. وبدافع من اليأس، طلب المالك السابق من عثمان أن يشتري البئر بالكامل، لكنه لم يكن في وضع يسمح له بطلب سعر مرتفع، لذلك تمكن عثمان من الشراء بسعر أقل بكثير مما كان يمكن أن يكلفه في حال لم يكن قد اشترى البئر. ومع ذلك، ووفقًا لأحد المصادر، بلغت تكلفته 35000 درهم (ما يعادل 1.5 مليون دولار أمريكي اليوم)، وتبرع به عثمان بسهولة. وقد أصبح البئر أساس وقف عثمان الذي لا يزال موجودًا حتى يومنا هذا.
وبالمثل، تبرع عثمان بسخاء كبير لتجهيز "جيش العسرة" الذي جمعه النبي (صلى الله عليه وسلم) للدفاع ضد غزو الجزيرة العربية بقيادة الإمبراطور البيزنطي هرقل. كما أنفق عثمان أيضًا على توسعة المسجد النبوي، والمساحة التي اشتراها هي اليوم جزء من روضة النبي (صلى الله عليه وسلم) المباركة، حيث يقصدها الكثيرون للصلاة فيها حتى يومنا هذا.
الدرس 3: المبادرة بالاجتهاد
لمدة 24 عامًا بعد انتقال النبي (صلى الله عليه وسلم) من هذه الدنيا، عمل عثمان بلا كلل أو ملل لإدارة الإمبراطورية الإسلامية التي كانت تتوسع بسرعة. وقد ساند أبا بكر وعمر خلال فترات قيادتهما قبل أن يتم اختياره هو نفسه لهذا المنصب. ومع تدفق المزيد من الثروات إلى المدينة المنورة، قدم المشورة للخلفاء في العديد من القضايا، ولم يأخذ في الاعتبار الأهداف الاقتصادية للإمبراطورية والحاجة إلى إعادة توزيع الثروة بطريقة عادلة فحسب، بل أيضًا تأثير الثروة المكتشفة حديثًا على الحالة الروحية للمسلمين. وشملت بعض الإصلاحات الرئيسية التي اقترحها إنشاء الديوان (حفظ السجلات) والتقويم الإسلامي ونظام تخصيص ملكية الأراضي المفتوحة.
وفي الوقت نفسه، استمر عثمان في العطاء بسخاء. وبحلول الوقت الذي اختير فيه ليكون الخليفة الثالث، كان قد تبرع بمعظم ثروته للصدقة؛ فقد تحول من امتلاكه لأكثر الإبل والغنم بين جميع العرب إلى أن لم يبق له سوى بعيرين فقط احتفظ بهما للحج. واستمر في وضع وتنفيذ سياسة محكمة للعدالة الاقتصادية، وتفاصيلها متيسرة ورائعة لا يتسع المجال هنا لذكرها، ويكفي أن نقول إن هذه السياسة كانت سابقة في تحقيق العدالة حتى في الكلب المقتول بغير حق. كما استثمر عثمان أيضًا من بيت المال (الخزانة العامة) في مشاريع تخدم مصالح المسلمين على المدى الطويل، بما في ذلك توسعة المسجد الحرام، وإنشاء أول أسطول بحري للمسلمين.
وقد واجه عثمان في نهاية المطاف اتهامات بالفساد المالي (من بين اتهامات أخرى) من قبل المنتقدين المخادعين الذين ضلوا الطريق إلى درجة أنهم انتهوا بقتل هذا الصحابي العزيز المحبوب من النبي (صلى الله عليه وسلم). والنقطة التي تجدر الإشارة إليها هي أن سجل عثمان في الاجتهاد في إدارة ثروته الخاصة، وبصفته خليفة، ثروة المسلمين كان واضحًا لدرجة أن هذه الاتهامات لم تكتسب أي زخم.
الاستثمار النهائي
لقد انتهت حياة عثمان بالصعوبة والشهادة، ولكن كان هناك عائد استثماري ينتظره في الآخرة أفضل بكثير من كل ما اكتسبه في هذه الحياة. إن اختبارات كل إنسان في الحياة تختلف من شخص لآخر، فعثمان امتُحن بكثرة المال، وتعامل معه ببراعة. لم يكن مغرورًا بثروته أو بسخائه، ولم يتباهى بها. كان يعيش بتواضع شديد؛ فهناك روايات تصفه بأنه كان ينام على أرض المسجد في بطانية ويركب على بغلة مع خادمه، ويكتفي بزيت الزيتون بعد أن يقدم للآخرين أجود الطعام.
كان شخصًا متواضعًا وخجولًا جدًا، ولكن الأهم من ذلك أن هذا لم يعرقل قدرته على التواصل كما هو مطلوب للنجاح في التجارة أو خدمة المجتمع. وكان يدرك أن الرزق من الله يأتيه في أشكال كثيرة، وليس فقط في الرزق المادي، مثل زواجه الجميل من اثنتين من بنات النبي (الثانية أم كلثوم)، وظل صابرًا وشاكرًا عندما سلبه الله بعض النعم. وكان عثمان قريبًا من القرآن، وكان كثير التلاوة والتدبر فيه. وكان له العديد من الصفات الجميلة الأخرى؛ وبالنسبة لنا، فإن قصته تذكرنا بأن السعي وراء المال، إذا كان على هدي الإسلام، لا يجب أن يكون منبوذاً باسم التقوى؛ بل هو في الواقع مشجع على اكتساب المال والتمتع به ومشاركته بطرق ترضي الله.
لقد أدرك عثمان أن للثروة مكانها في الحياة والمجتمع، ولكنه احتفظ بها في يده لا في قلبه. فقبل الإسلام لم يسمح لانغماس الشباب أن يلهيه عن اكتساب المال، وبعد الإسلام لم يسمح للثروة أن تلهيه عن التفوق في الدين واستثماره الأوفر ربحاً على الإطلاق.
Zoya: الأسهم الحلال وصناديق الاستثمار المتداولة وصناديق الاستثمار المتداولة
تجعل Zoya الاستثمار الحلال سهلاً من خلال مساعدتك في بناء محفظة استثمارية متوافقة مع الشريعة الإسلامية ومراقبتها بثقة ووضوح.